بتاريخ
22
يناير 2010
15 مليون مسلم ينتمون لمن ويوالون من ؟
الإسلام الحركى متى يتحول إلى الصحة بدلاً من المرض ؟
مشهد أول
** فى قلب جامعة "ليدز" وبالتحديد فى مدرج خاص بتدريس العلالقات الدولية ، افترشت مجموعة من المسلمين الأرض فى شبه دائرة وهم يتناقشون ويبحثون سبل التصدى لهذا الغرب "الكافر"!
مشهد ثان
** فى احدى ضواحى العاصمة البريطانية "لندن" ، تجمع عدد كبير من المسلمين أمام أحد المحلات التجارية .. كانوا يشكلون طابوراً طويلاً لتنظيم وتسهيل عملية الدخول ، غير أن أحداً منهم لم يشتر! كان الزبائن يدخلون الحانوت للسلام على صاحبه وتهنئته بالاضافة الجديدة التى ضمها إلى أملاكه ! لم تكن تلك الإضافة عقاراً ، فقد سبق له أن اشترى عشرات العقارات ولم تكن محلاً جديداً فقد سبق له ان فعل .. كان صاحب الحانوت الكبير قد انهى إجراءات شراء الشارع وتغيير اسمه الى اسم اسلامى !
مشهد ثالث
** الشيخ محفوظ النحناح أحد رموز الحركة الاسلامية فى الجزائر والدكتور محمود صيام رئيس جامعة غزة وعضو حركة حماس الاسلامية فى فلسطين ، والشيخ فيصل مولوى أحد رموز الحركة الاسلامية فى لبنان ، والدكتور محمد سليم العوا أحد رموز التيار الاسلامى فى مصر وآخرون يتبادلون الصعود على منصة أكبر قاعة فى جامعة "ليدز" للحديث عن "الغرب" وعن "الاستعمار" وعن أشياء أخرى !
ملاحظة قديمة
** عندما زار الرئيس الابكستانى ضياء الحق بريطانيا قبل رحيله بعدة أشهر ، أراد الانجليز مجاملته فوضوعوا له فى برنامج الزيارة زيارة لضاحية "بدفورد" ذات الأغلبية الباكستانية المسلمة ، غير أن ضياء الحق رفض بحسم قائلاً جئت لزيارة بريطانيا والتعرف على الاماكن والمعالم البريطانية ولم آت لزيارة "إسلام آباد" !
** المشاهد الثلاثة والملاحظة الأخيرة كونت داخلى فكرة التحقيق الأول من سلسلة تحقيقاتى التى اتيت بها من بريطانيا . ولما كانت بريطانيا دولة أوروبية ولما حدثت أو كانت تحدث الوحدة الأوروبية ، فإننى أرى أن معظم ما سأقوله عن الإسلام والمسلمين فى بريطانيا ينطبق على غيرهم من المسلمين المقيمين فى فرنسا وألمانيا وهولندا وبولندا والدول الاسكندنافية باستثناء بعض الفروقات الطفيفة .
** أقول أن المشاهد الثلاثة والملاحظة تدفعنى لان أبدأ "معكم" أو معهم" من البداية .
** ألى أى كيان ينتمى هؤلاء جميعاً ؟ إلى دولهم التى هجروها أو أخرجوا منها ! ، أم إلى هذا "الغرب" الرحب الذى أصبحوا "فيه" ولا أقول "منه ؟
** وحتى لا يكون التحقيق مجرد حكايات ومعولمات "عنهم" أردت أن يكون كذلك "لهم" بحيث يصلح لأن يكون دليلاً للقراء فى دول "الشرق" وبياناً للناس المقيمين فى الغرب والحاملين لجنسيته .
** ولأننا فى الغرب ولان بداية التحقيق سطرتها من داخل أحد المختبرات العلمية فى جامعة "ليدز" لذلك كله فقد آثر الدكتور أحمد جاء باللـه نائب رئيس إتحاد المنظمات الاسلامية فى أوروبا أن نتفق أولاً على تحديد المصطلحات وتوضيح المفاهيم حتى لا يكون الاختلاف فى تحديد هذه المصطلحات سبباً للاختلاف فى الرأى حولها .
** كانت المناسبة هى حديث ذلك الرجل الذى انتفض واقفاً بزيه العجيب ليحذر من الارتماء فى أحضان الغرب "الكافر" والانتماء اليه ، أما مصدر العجب فى زى الرجل ولا نذكره بسخرية والعياذ باللـه، وانما لنلقى من خلاله ضوءاً على بعض "التراكيب" العجيبة مظهرياً وفكرياً لدى المسلمين فى الغرب – فهو انه يلبس جلباباً أبيض وتحته "بنطلون" سروال من "الجينز" وفوقه جاكت من الجلد الذى تحرص جماعات الهيبز والخنافس على ارتدائه !
حقيقة الإنتماء
** يرى الدكتور جاء باللـه الذلى يتحدث معنا هنا باسم اتحاد المنظمات الاسلامية فى اوروبا ويوافقه الرأى الدكتور أحمد الراوى رئيس الاتحاد، ان الانتماء الى شىء هو الانتساب اليه ، وتتفاوت درجات الانتماء والانتساب بحسب الروابط التى تربط المنتمى الى ما ينتمى اليه ، فيقال مثلاً على إنسان انه ينتمى الى قبيلة كذا ، بمعنى أن نسبه ينحدر من هذه القبيلة ، وقد يقف الانتماء عند هذا الحد أو يزيد بحسب الحالات .
** كما ان الانتماء يتحدد بطبيعة الجهة المنتمى اليها ، فالانتماء الى دين أو عقيدة غير الانتماء الى حزب سياسى أو الانتماء إلى مجتمع وهكذا فيمكن للانسان أن يكون منتمياً الى مجتمع ما أو إلى بلد ما دون أن يكون منتسباً للدين الغالب فى هذا المجتمع ، كما هوالواقع اليوم فى المجتمعات الغربية ، وحتى فى ظل المجتمع الاسلامى الذى هو مجتمع العقيدة لا يجبر من ينتمى لهذا المجتمع أن يترك دينه إذا لم يكن مسلماً ، ومن هنا سمح الاسلام بوجود أهل الذمة فى مجتمعه .
** من هنا – والكلام للدكتور جاء باللـه – فإن انتماء المسلمالى مجتمع أوروبى يعنى الانتساب إليه من حيث العيش فيه والتعامل مع أفراده ومؤسساته وتبادل المصالح والمنافع معهم والانتماء بهذا المعنى ليس فيه ما ينافى الاسلام .
إشكالية المواطنين الجدد
** هذا عنالانتماء ، أما عن (المواطنة) بمعنى الانتساب إلى وطن فإنها تقتضى من المواطن أن يكون حريصاً على المصلحة العامة للوطن الذى ينتمى إليه وأن يحترم النظام العام ، وان يمارس حقوقه ويؤدى ما عليه من واجبات .. وهذه أمور قد تبدو بديهية ، لكنها وللأسف الشديد ما زالت تمثل عائقاً ، بل تمثل إشكالية كبرى لدى بعض المسلمين الذين حصلوا على الجنسية الأوروبية وخلطوا بين تلك الأمور وبين مسائل "الولاء والبرا" وغيرها من أمور أخرى ، ولذلك يؤكد الدكتور جاء باللـه أن هذه الالتزامات التى يلتزم بها المواطن المسلم فى المجتمع غير الاسلامى لا تعدو أن تكون اما مسائل مباحة لا تتنافى مع الاسلام ، واما أموراً يمنعها الاسلام ، وهنا ينبغى أن يسعىالمسلم ومن خلال القانون فى معالجتا والتخلص منها . وما قد يتعرض له المسلمون فى الغرب فى هذا الجانب لا يزيد عما يتعرضون له فى بعض البلدان الاسلامية ، بل انهم قد يجدون فى هذه البلاد – التى يحلو للبعض تسميتها بدار الكفر – فسحة من الحرية يفتقدها إخوانهم فى أكثر البلاد الاسلامية .. ليس هذا فقط بل أن بعض الحركات الاسلامية التى تسمى الغرب بدار الكفر ، تجد الأمن والحرية فى اليلاد الغربية ، وتجد العكس فى بعض الدول الإسلامية !
الولاء لمن
** كانت الآية الكريمة الواردة فى سورة آل عمران "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء ، الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير" .
** أقول كانت هذه الآية هى الرد الوحيد لدى البعض من الذين سألتهم عن تعامل المسلمين مع الغرب ! وفى الوقت الذى سمحت فيه مثلاً إدارة جامعة "ليدز" لجمعية الطلبة المسلمين بإقامة مؤتمرها السنوى داخلها وجندت لذلك كل امكاناتها وادواتها وتقنياتها لانجاح المؤتمر ، كانت أصوات بعض الشباب المتحمس تدوى فى صالات الجامعة معلنة العداء للغرب "الكافر" والتصدى للغرب "الكافر" ومقاومة الغرب "الكافر" .. بل ان عشرات منهم كانوا يحملقون فى وجه الشيخ النحناح والدكتور سليم العوا والشيخ فيصل مولوى ولسان حالهم يقول : ما هؤلاء العلماء .
** وأعود للآية الكريمة فأضعها أمام الدكتور أحمد جاء باللـه فيعلن قائلاً : ان اعطاء المسلم ولاءه بمعنى الحب والارتباط الى الكافرين من دون المؤمنين رضى بكفرهم ومناصرةلهم ضد المؤمنين لا يجوز ، بل انه يؤدى الى الكفر غير أن الموالاة كما قال الشيخ طاهر بن عاشور يرحمه الله فى تفسيره "التحرير والتنوير" فى تفسير آية آل عمران المذكورة ، تعتورها أحوال تتبعها أحكام، وقد استخلصت من ذلك ثمانى حالات .
** الحالة الأولى : ان يتخذ المسلم جماعة الكفر أو طائفته أولياء له فى باطن أمره ميلاً إلى كفرهم ، وعداء لأهل الاسلام ، وهذه الحالة كفر وهى حالات المنافقين .
** الحالة الثانية : الركون إلى طوائف الكفر ومظاهرتهم لأجل قرابة ومحبة دون الميل إلى دينهم ، فى وقت يكون فيه الكفار متجاهرين بعداوة المسلمين ، والاستهزاء بهم وأذيتهم ، وهذه الحالة لا توجب كفر صاحبها الا ان ارتكابها أثم عظيم لأن صاحبها يوشك أن يواليهم على نصرة الاسلام. وفى مثلها نزل قوله تعالى فى سورة المائدة : "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين أتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء" .
** الحالة الثالثة : كذلك كذلك بدون أن تكون طوائف الكفار متجاهرين ببعض المسلمين ولا بأذيتهم، قال الفخر : وهذه واسطة وهى لا توجب الكفر إلا انه منهى عنه .
** الحالة الرابعة : موالاة طائفة منالكفار لأجل الأضرار بطائفة معينة من المسلمين مثل الانتصار بالكفار على جماعة من المسلمين ، وهذه الحالة أحكامها متفاوتة . فقد قال الامام مالك فى الجاسوس يتجسس للكفار على المسلمين انه يوكل الى اجتهاد الامام وهو الصواب لأن التجسس يختلف المقصد منه ، إذ قد يفعله المسلم غروراً ، ويفعله طمعاً ، وقد يكون على سبيل الفلقة ، وقد يكون له دأباً وعادة .
** الحالة الخامسة : ان يتخذ المؤمنون طائفة من الكفار أولياء لنصرة المسلمين على اعدائهم ، فى حين أظهر أولئك الكفار محبة المسلمينوعرضهم نصرتهم ، وهذه اختلف العلماء فى حكمها وروى ان مالكا قال : لا بأس بالاستعانة بهم عند الحاجة واحتج من قال بهذا الرأى بأن النبى صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن ابا سفيان يجمع الجموع ليوم أحد قال لبنى النضير من اليهود : "انا وأنتم أهل كتاب وأن لأهل الكتاب على أهل الكتاب النصر ، فإما قاتلتم معنا وإما أعرتمونا السلاح " والى هذا ذهب أبو حنيفة والشافعى والليث والأوزاعى .
** الحالة السادسة : أن يتخذ واحد من المسلمين واحداً من الكافرين بعينه وليا له فى حسن المعاشرة أو لقرابة لكمال فيه أو نحو ذلك ، من غير أن يكون فى ذلك إضرار بالمسلمين وذلك غير ممنوع.
** الحالة السابعة : حالة المعاملات الدنيوية كالتجارة والعهود والمصالحات ، وأحكامها مختلفة باختلاف الأحوال .
** الحالة الثامنة : حالة الموالاة لهم لاتقاء الضرر ، وهذه هى المشار إليها بقوله تعالى : "إلا أن تتقوا منهم تقاة".
** ومع هذا التفصيل فى حالات الوالء المختلفة يقول الدكتور جاء باللـه أن المسلم الذى يعيش فى بلاد الغرب لا يجبر بأى حال على الولاء المحرم للكافرين ، فى حين تجد من بعض المسلمين الذين يعيشون فى بلاد الإسلام من هم على ولاء عميق لأهل الكفر !
العهد والخيانة
** قلت للدكتور جاء باللـه : فى ظل ما يجرى للمسلمين فى البوسنة والهرسك "الأوروبية" ، وفى أماكن أخرى يقومبعض المسلمين فى الغرب باستباحة أموال من يسمونهم بالكافرين بدعوى أن ذلك بمثابة تعويض لما أخذوه من بلاد المسلمين فى زمن الاستعمار ، فما الرأى فى هذه القضية؟
** قال : ان المسلم مطالب شرعاً بالوفاء بعهده حتى مع الكافرين سواء كان ذلك العهد عهداً صريحاً أو عهداً ضمنياً ، كمن يدخل إلى بلاد غير إسلامية ويطلب الاقامة القانونية فيها ، فهو بذلك متعهد ضمنياً باحترام قوانين البلاد وعدم الغدر بأهلها ولا يفصح عن غير ذلك ، فانه لا يمنح الاقامة بل يمنع من دخول هذه البلاد .. بل ان خيانة العهد لا تجوز من المسلم حتى فى دار الحرب إذا دخلها بأمان . قال الفقهاء "لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار حرب إذا دخل ديارهم بأمان منهم لأن خيانتهم غدر ولا يصلح فى الاسلام الغدر" . وتأكيداً من القرآن الكريم على الوفاء بالعهد يقول مخاطباً المؤمنين "وان استنصروكم فى الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير" .
** وقال فقهاء الحنابلة : إذا اطلق الكفار الأسير المسلم واستخلفوه ان يبعث اليهم بفدائه أو يعود إليهم لزمه الوفاء .. فإذا كانت خيانة العهد لا تجوز فى هذه الحالات فإنها لا تجوز قطعاً فيما دونها خاصة إذا كان الأمر متعلقاً بحقوق الكافرين فلا يجوز استحلالها بدون حق .
لا مناص
** والآن جاء وقتالإجابة عن السؤال المهم : كيف يكون إذن انتماء المسلم الذى يعيش فى بلاد الغرب ؟ يقول الدكتور احمد الراوى رئيس اتحاد المنظمات الاسلامية فى أوروبا : من خلال تحديد المصطلحات والمفاهيم لمعنى الانتماء والمواطنة والولاء بالعهد على النحو الذى أوضحه الدكتور أحمد جاء باللـه ، فاننا نقول انه لا حرج علىالمسلم أن يكونمواطناً منتمياً الى البلد الاوروبى الذى يعيش فيه دون ان يمنعه هذا الانتماء من اعطاء ولائه للاسلام وللأمة الاسلامية ، وكما انه لا يستنكر على اليهودى الذى يعيش فى مجتمع أوروبى ان يظهر ولاءه للكيان الصهيونى .
** بل أن يمارس ضغطاً على أصحاب القرار لمناصرتها ، فانه لا ينبغى ان يستنكر على المسلم ولاءه للاسلام والمسلمين بشروط ان يكون مواطنا صالحاً يصون عهوده ولا يقع فى الغدر والخيانة .
** بل ان الانتماء والمواطنة بهذاالمعنى – كما يقول الدكتور جاء باللـه – أمر لا مناص منه إذا أردنا أن نحفظ حقوقنا فى هذه البلاد وأن نصبح أصحاب تأثير فيها ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
خطورة الانكفاء
** قلت للدكتور أحمد جاء باللـه والدكتورأحمد الراوى : يرى البعض أن انكفاء المسلمين على انفسهم وتكوين هيئاتهم ومؤسساتهم الخاصة بهم ، هو أفضل السبل للحفاظ على هويتهم وكيانهم ! قالا فى صوت واحد : كيف يمكننا أن نؤثر فى الناس ونصل إلى قلوبهم ونحن مأمورون بذلك إذا لم يشعروا منا بأننا نريد لهم الخير ونرعى حقوقهم ونتفاعل معهم ؟
** ويؤكد الرجلان أن الظهور بمظهر الاندماج الايجابى فى المجتمعات الاوروبية هو الذى سيمكننا من الوصول الى مواقع التأثير فى هذه المجتمعا .
دار الحرب لم تعد دار حرب
التسمية الأصح هى دار الكفر
العالم كله تحول إلى دار واحدة هى دار الدعوة الاسلامية
** .. والآن حان وقت الاجابة عن السؤال الصعب : هل "الغرب" الحالى هو دار "حرب" ؟ أما مصدر الصعوبة فيكمن فى عامل الوقت .. ذلك الوقت الذى يذبح فيه المسلمون فى "سراييفو" الغربية الأوروبية وتتكاثر فيه علامات الاستفهام المزروعة فى "البلقان" وفى مناطق أخرى . والاجابة هنا للشيخ فيصل مولوى – أحد رموز الحركة الاسلامية فى الغرب سابقاً وفى لبنان حالياً .
** يقول الشيخ فيصل مولوى : علماؤنا فى التاريخ قسموا العالم إلى دارين .. دار للالسلام ودار للحرب ، وأضاف بعض العلماء دار العهد ، وهكذا فان هذا التقسيم مبنى على واقع تاريخى وليس فيه نص من كتاب الله أو من سنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – لقد بنى هذا التقسيم على ضوء الواقع الذى كان يعيشه المسلمون . إذا كانت هناك دار تسود فيها أحكام الاسلام وتطبق فيها شرائعه فسميت بدار الاسلام . ولأن الاسلام منذ ولد وهو يتعرض للمؤتمرات من الأعداء كلهم ، فقد كان مضطراً للدفاع عن نفسه إلى جانب قيامه بآداء واجبه فى نشر الدعوة فى أرجاء الأرض ، ولذلك كان لابد من صراع بين دار الاسلام وما حولها من بلاد ، وبما ان هذا الصراع الدائم كانت الحرب فيه هى الأساس ، لذلك سمى المسلمون كل دار غير ديار الاسلام دار الحـرب . ولأن أصل التعامل بين المسلمين وغير المسلمين له نماذج متعددة فقد استنبط بعض العلماء "دار العهد" ، أما من دار الحرب واما من دار الاسلام ، وهذه الدار تنشأ من اناس غير مسلمين لكنهم غير محاربين للمسلمين وانما هم موادعون لهم أو محايدون .
** والسؤال الآن : هل هذا التقسيم الذى استنبطه العلماء لتحديد وضع المسلمين فى زمان معين وفى ظرف معين ملزم للناس الى يوم القيامة ؟
** ويجيب الشيخ فيصل مولوىبقوله : لو ان هذا التقسيم نزلت به آية أو حديث عن سول الله – صلى الله عليه وسلم – لكان ملزماً للمسلمين الى يوم الدين ، ولكنه طالما ان العلماء استنبطوه من واقع فهو يحكم هذاالواقع ويكون صحيحاً فى حكمه على هذا الواقع فقط . والواقع اليوم لم يعد يحتمل هذاالتقسيم الذى قال به العلماء وذلك لأسباب عديدة منها ان دار الاسلام نفسها فم تعد داراً بالمعنى الذى قال به الفقهاء .
** ونسأل من جديد ما المقصود بدار الإسلام ؟ هل المقصود أن يكون الشعب مسلماً ؟ لا احد من العلماء يقول بذلك انما يقولون انه لابد ان تكون السلطة مسلمة وتكون تكون الاحكام السائدة هى أحكام الشرعية وبهذا المعنى لا توجد من ديار المسلمين دار للاسلام باستثناء عدد لا يكمل اصابع اليد الواحدة !
** ونسأل أيضاً : هل المقصود بتطبيق الأحكام الشرعية تطبيقها كلها أم تطبيق أحكام الأحوال الشخصية فقط ؟ إذا كان المقصود تطبيق الأحكام الشرعية كلها خرجت أكثر بلاد المسلمين ولم تعد داراً للاسلام ، واذا كان المقصود تطبيق الاحوال الشخصية فقط ، خرجت – مع ذلك – كثرة من بلاد المسلمين التى لا تطبق حتى أحكام الاحوال الشخصية حسب الشريعة الاسلامية . إذن لابد بهذه الدول أو لهذا التقسيم من إعادة نظر لأن التقسيم القديم كان يفترض فى دار الاسلام وجود سلطة شرعية واحكاماً شرعية ، وهذا – للأسف الشديد – لم يعد موجوداً فى الغالبية العظمى من دول المسلمين .
** ويضيف إلى ذلك أن المسلم فىبعض البلاد الاسلامية لم يعد يأمن على نفسه فى حين يأمن عليها فى بعض بلاد الكفر .. لقد انقلب الميزان فكيف يمكن ان نعتبر هذه دار اسلام وتلك دار حرب ، فى الوقت الذى تعلن فيه بعض ديار الاسلام الحرب علىلااسلام ! ودار الحرب بالمعنى التاريخى القديم تستقبل المسلمين ، بل الاسلاميين وتسمحلهم بالعمل وبممارسة حرياتهم .
** لقد تغير الواقع تماماً .ز ولذلك إدا أردنا ان ننظر الى واقعنا الحديث فينبغى ان نعتبر العالم كله دارا للدعوة الاسلامية .. العالم كله دار واحدة للدعوة الى الله . وما تبقى من دار الاسلام هى بلاد المسلمين وفيها نواة لمستقبل العمل الاسلامى لكنها ليست دار الاسلام بالمعنى الشرعى ودار الحرب ليست دار الحرب بالمعنى الشرعة وإنما هذه وتلك دار للدعوةالى الله عز وجل .
التسمية الأصح
** ان دار الحرب هنا ليس معناها حالة حرب دائمة وانما معناها عند الفقهاء الدار التى من شأنها ان تقع فى حرب مع المسلمين وليس بالضرورة أن تكون حالة الحرب طاغية ، لكن باعتبار أهلها من الكفار وباعتبارهم يعادون الاسلام ويسعون لاحباطه والتآمر عليه واستعدادهم فى أى وقت للاعتداء علىالمسلمين . هنا تصبح ديارهم دار حرب . اذن فدار الحرب بالمعنى الفقهى دار من شأنها أن تدخل الحرب وليس معناها انها فى حرب دائمة مع الاسلام .
** ان التسمية الاصح فى رأيى لهذه الديار انها دار كفر لانالكفر صفة دائمة للكافر ، أما الحرب فهى ليست صفة دائمة له ، انما الكافر قد يكون موادعا وقد يكون محايدا ، فالحرب صفة عارضة ، اما الكفر فهو صفة دائمة .. وهكذا فان هذه الديار دار كفر ومن ثم فهى ميدان للدعوة الى الله عز وجل .
** وحتى لو اعتبرنا بعض هذه الديار دار حرب ، فكيف تتن الحرب وما موقف المسلم منها ؟ هل يخرج كل واحد من ديار السملمين فى بلده محارباً ؟
** الإجابة : لا ، إذ لابد من قرار يعلن الحرب يصدره الامام ، فالحرب هنا ليست مسألة فرد وانما مسألة أمة ، وإلا تحول الأمر الى فوضى وأصبح من الممكن انه يجر فرد متهور الامة كلها الى حالة حرب فعلية وهى لا تريدها أو ليست مستعدة لها . ان الحرب باختصار قرار أمة . صحيح انه لو شنت الحرب دفاعاً هن دينه ونفسه وماله وعرضه ، وهكذا فان الحرب واجبة فى حال اتخاذ الامة كلها للقرار او فى حالة الدفاع عنالنفس وكلا الامرين غير موجود الآن ، ومعنى ذلك ان دار الحرب بالمعنى الفقهى القديم لا تعنى أبداً قيامحالة حرب فعلية وانما هى دار حرب مبدئية . وهكذا فلو سميناها ديار كفر لكانت التسمية أدق .
** واذن فلسنا الآن فى حالة حرب مع هؤلاء ولابد ان نبحث عن السند الفقهى الشرعى للتعامل معهم .. ما حدودهم ؟ وما حدودنا فىالتعامل ؟
** لقد أباح الاسلام للمسلمين أن يتعايشوا مع غير المسلمين بشرط واحد هو الا يكون غير المسلمين معتدين علىالمسلمين ، فاذا رفع العدوان أصبح التعامل أمراً جائزاً "لا يناهكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من ياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين . انما يناهكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون " .
** وهكذا فان الأصل فى كتاب الله عز وجل ان نتعاون معهم ونبرهم اذا لم يعتدوا علينا ويخرجونا من ديارنا ، فلا بأس ان نعيش معهم فى بلد واحد . وهذه المعيشة معهم محكومة بالقواعد اشرعية الواضحة .. انالبر هو حسن الخلق ، بل هو أعلى درجات حسن الخلق .. فالأصل فى التعامل بين المسلم وغير المسلم هو أعلى درجات حسن الخلق .
حتى يختفى التجهم والقتامة من وجوه المسلمين الغرباء
لماذا لا يكون مسلمو الغرب قوة مضافة لنا لا مخصومة منا
** ما زال مصطلح "الاسلام الحركى " يثير الرعب فى الغرب والشرق معاً .. ولأننى اكتشفت ان اكثر الناس حركة وتنظيما وربما تزمتا ولا أقول "تطرفا" لا يقيمون فى بلادنا الاسلامية وانما يقيمون هناك فى لندن وباريس ونيويورك وغيرها ، فقد اثرت الحوار مع الدكتور محمد سليم العوا باعتباره احد رموز التيار الاسلامى فى مصر واحد الذين عاشوا واقاموا فى الغرب مدة طويلة ، جاء هذا الحوار علىهامش مؤتمر جمعية الطلاب المسلمين بالمملكة المتحدة وايرلندا وفى حضور العشرات من اعضائها .
** يرى الدكتور العوا ان المسلمين فى الغرب يلتقون دون ان يتعمدوا ذلك لقاء حركياً ..
** وأول ما يجمع اللقاء الحركى هو انه يرمى ابتداء وانتهاء بلا غاية وسيطة الى رفع الاسلام والمسلمين فى كل مكان .
** الاسلام الحركى – إذا صح هذا التعبير – ليس مذهبياً ولا طائفياً ولا فقهياً ، وانما هو إسلام يأخذ بيد المسلمين فى كل مكان الى اوضاع افضل ويقود المسلمين فى كل مكان الى اوضاع افضل ويقود المسلمين فى كل مكان الى مستقبل افضل ويرقى بالمسلمين فى كل مكان الى ان يستحضروا بأنفسهم وقلوبهم سيرة سلفهم الصالح فيعودوا كما كانوا خير أمة أخرجت للناس .
** ولكى يحقق هذا الاسلام دوره فى بلاد الغرب ينبغى ان يتسم بسمات ينبغى ان تصغى اليها الآذان هنا فى ديار الغرب ..
** السمة الأولى : ان يكون المسلمون العاملون فى هذه الديار مثلاً ناطقاً متحركاً بحقيقة السماحة الاسلامية ، ذلك ان كثياً من اخواننا هنا لا يعرفون الكثير عن سماحة الاسلام واذا عرفوا هذا العنوان فانهم لا يطبقونه فى حياتهم ولا يقدمون المثل والقدوة فى هذا المجال . وهنا نستذكر الحادثة النبوية التى تحدثنا عن ان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقف أمام ام المؤمنين عائشة وهى تنظر إلى قوم جاءوا من الحبشة وهم يلعبون بحرابهم داخل مسجده صلى الله عليه وسلم فى يوم العيد .. فلما سأله سائل فى هذا : أتترك هؤلا ء يلعبون فى المسجد بحرابهم وزوجتك تنظر إليهم ؟ قال – صلى الله عليه وسلم : "نعم" ! وعلل هذه النعم تعليلاً عظيماً يغيب عن كثير من اخواننا العاملين فى حقل الاسلام فى الغرب قال : "نعم حتى تعلم يهود ان فى ديننا فسحة واننى بعثت بحنيفية سمحة " .
الدور المهم
** اننا نُصَوَّر فى اعلام هذا الغرب حتى هذه الساعة على أننا وحوش قتلة سفاكو دماء واننا اذا مكننا الله فى الارض فأننا سندير الامر الى قتل فى الناس وسحق لهم ، ولا شك ان هذا الاعلام لن ينصفنا الا اذا انصفنا نحن انسنا فكم من أخطاء يرتكبها بعض الحمقى عُمَّمَت وتُعَمَّم على الاسلام والمسلمين .
** السمة الثانية : هى السعة الجامعة فى هذا الدين .. فهذا الدين من عجيب شأنه وأمره انه اتسع منذ نزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – لاجتهادات لا تحصى ولتصرفات يتناقض بعضها مع الآخر وبقى أصحابها وبقيت التصرفات نفسها داخل دائرة الاسلام الحنيف .
** لقد دفع الاسلام النبوى – ولا أقول المذهبى – اجتهادات كثيرة حتى فى أمور الصلاة وهى عماد هذا الدين . وحختى عندما انتقل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الى الرفيق الاعلى واختلف الصحابة والتابعون بعده فى الاجتهاد اختلافا عظيماً لم يُكفِّر أو يلم أحدهم أحداً وحفلت المكتبة الاسلامية بكتب الخلاف الفقهى من أصل الصحابة ، ولعلنا أطلعنا على كتاب الامام الزركشى فى الاستدراك "استدراك عائشة – رضى الله عنها – على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم" . لقد وسع الاسلام هؤلاء جميعاً ، بل ان الاسلام وسع بعد ذلك الخلاف المذهبى نفسه حتى كا نفى مصر حين دخلها الامام الشافعى 23 مذهباً لكل منها طريقه فى الاستنباط ومسائل تعلم الطلاب الفقه . ثم وسع الاسلام بعد ذلك الخلاف السياسى فقامت الفرق السياسية التى ترمى كما رمت الفرق المذهبية الى عبادة الله على بينة وبصيرة . كلهم يريد أن يقيم حكم الله كما فهمه من كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم – ولم يكفر بعضهم بعضا وان حارب بعضهم بعضاً بالسيف واستباح فى هذه الحرب دماء بعضهم البعض ، وقد بدأ ذلك منذ عهد الصحابة ثم فى زمن الخوارج .
أخطاء واضحة
** ولكن ما أبرز الأخطاء التى تقع فيها قيادات العمل الاسلامى فىالغرب وكيف يمكن أن يضيفوا الى رصيد الأمة الاسلامية ؟
** اننا ينبغى ان نعيد النظر فى مألة اهتمامنا كمقيمين فى الغرب ببلادنا ! فأنا ممن كتب الله عليهم الاقامة والتردد على بلاد الغرب بين الحين والاخر ، وكلما زرت بلداً ألقى فيه عدداً من اخوانى أحزن كثيراً وأنا أرى أن همهم الأول فى هذه البلاد ربما الأوحد ان ينتقدوا ما يفعله الدعاة المسلمون فى بلاد الاسلام ! وان يصوبوا وهم جالسون هنا فىمقاعدهم اعمال ما يسمى بالقيادات الدينية فى الشرق عموماً ، وان يروا الاخطاء التى تقع فيها هذه الأخطاء التى قد تقع فيها هذه القيادات وكأنها خطايا وبلايا لا يمكن أنم يصح الاسلام لا بتركها ولانزول على ما يراه المسلمون فى الغرب مناهج وسبل وطرائق فى اختيار القيادات وانشاء العلاقات وغيرها .
** وهنا أرى ان يكون اسنشغالنا هنا فى بلاد الغرب ببلادنا وبما يجرى فى بلادنا انشغالاً صحياً لا انشغالاً مرضياً .. انشغال يجعلنا قوة مضافة ولا يجعلنا قسطا مخصوماً ومحذوفاً من القوى الاسلامية . ان الاقباط فى مصر مثلاً لهم حوالى نصف مليون مهاجر قبطى فى العالم كله واكثرهم على خلاف مع كنيستهم الاصلية ومع ذلك فهم فى مهجرهم هذا قوة مضافة الى الكنيسة لماذا ؟ لان صحفهم تصب فى خدمة النصرانية فى مصر ووجودهم هنا يكرس خصيصاً لأى قس قادم من مصر الى اى بلد من البلاد الأوروبية .. أما المسلمون هنا فاذا جاء من يختلف معهم من العلماء أو الدعاة فى قبض اليد فى اثناء الصلاة رفضوا استقباله ، واذا جاء للعلاج هنا امتنعوا عن زيارته ، واذا عقد اجتماعاً اعتبروا ذلك ضرباً لحركتهم وكانه اذا دعا الى حركته ضرب حركتهم والعكس صحيح ، فالأصل ان انتصار اى فريق من الملسمين هو انتصار للاسلام كله . ومن هنا ينبغى ان تصححوا علاقتكم بالشرق وينبغى ان يكون وجودكم هنا قوة مضافة لا قوة مخصومة .
|